البنوك تتحرر من سطوة المخصصات بعدما راكمتها لسنوات طويلة
كتب - محمد الأندلسي
قال عدد من المراقبين للسوق المحلي إن البنوك المحلية تحررت من سطوة المخصصات التحوطية الاحترازية، والتي جنبتها البنوك منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008 ولمدة 12 عاما متواصلة، حيث وصلت البنوك لمستويات كافية لدرء المخاطر، في ظل بلوغ معدلات القروض المتعثرة لدى البنوك مستويات متدنية تبلغ 3% فقط وفق بيانات العام 2018، فيما تجاوزت نسبة تغطية القروض المتعثرة لدى البنوك القطرية مستوى 105% في الوقت الذي تحظى فيه بأكثر التصنيفات الائتمانية جداره وأعلاها من وكالات التصنيف الائتماني العالمية : «فيتش» وموديز وستاندرد آند بورز.
وأوضح المراقبون أن تراجع سقف مخصصات البنوك القطرية وتحريرها وتحويلها إلى أرباح يؤشر إلى انخفاض معدلات المخاطر امام المصارف الوطنية ويمثل محركا رئيسيا لنمو أرباح البنوك القطرية التي لم تتأثر بتطبيق المعيار 9 المحاسبي والذي يفرض عليها تكوين مخصصات إضافية احترازية للخسائر المتوقعة مستقبلا على جميع الموجودات المالية الائتمانية المنتظمة عند نشأتها، وخلال مراحل عمرها المختلفة خصماً على حساب الدخل، وما يستلزمه ذلك من تطوير أنظمة البنوك الحالية، وربما استحداث أنظمة جديدة لتقييم جميع أنواع الموجودات المالية لديها وفقاً لمتطلبات المعيار.
وبحسب معهد المحاسبين العرب فإن المخصصات «عبارة عن أي عبء يحمل على إيرادات الفترة المالية لمقابلة أي نقص محتمل في قيمة أي أصل من الأصول أو أي التزامات مؤكدة أو محتملة الحدوث.. ولما كانت عملية مقارنة الإيرادات بتكلفة الحصول عليها يجب أن تتم دورياً وبانتظام، ولما كان من أهم واجبات الإدارة المحافظة بكل الوسائل على رأس المال كاملاً غير منقوص كحد أدنى، لذلك لابد من تحديد تكلفة الحصول على الإيرادات بكل دقة، ويتم ذلك عن طريق تجنيب المخصصات المالية».
إدراك المخاطر
ويشير تقرير الاستقرار المالي في نسخته العاشرة الصادر عن مصرف قطر المركزي، إلى زيادة الثقة في استقرار النظام المصرفي حيث رأی ثلثا البنوك المشاركة في المسح ذاته أن هذه الثقة قد زادت بينما أجاب الباقون بأن ثقتهم في النظام المصرفي الشامل استقرت عند مستوياتها السابقة دون تغيير، في الوقت الذي يتوقع فيه نصف المشاركين في المسح انخفاض أو استقرار مخاطر الائتمان عند مستوياتها الحالية بينما كشفت اختبارات الضغط التي أجراها «المركزي» أن القطاع المصرفي القطري في وضع مريح عموما بسبب توافر رأس المال الكافي لمواجهة أيه صدمات أو مخاطر محتملة حيث إن جميع البنوك لديها مصادر سيولة كافية لتحمل المخاطر. كما أن مستوى رأس المال المرتفع للقطاع المصرفي يهيئ البنوك لتحمل نقاط الضعف غير المتوقعة ومواصلة تقديم الائتمان للتنمية الاقتصادية.
ورجحت غالبية البنوك المشاركة في المسح تراجع مخاطر السيولة بالإضافة إلى انخفاض مخاطر السوق، وذلك بحسب رأي غالبية البنوك المشاركة الذين يتوقعون أيضا استمرار هذا الاتجاه خلال عام 2020 وفي المقابل فإن نقاط الضعف المحتملة من محفظة الائتمان في القطاع المصرفي القطري مازالت عند مستويات منخفضة أما مخاطر تركز الدفع في النظام المصرفي فمازالت عند مستويات ضئيلة وفي المقابل يتـم تغطيـة القـروض غيـر المنتظمة بشـكل كاف من خلال المخصصات المطلوبة للتخفيـف مـن أي مخاطـر غيـر مبـررة.
وكشفت بيانات اختبارات الضغط الائتماني التي أجراها مصرف قطر المركزي عن قوة البنـــوك القطــرية وقدرتها الكبرى على تحمل سيناريوهات المخاطر حيث أفادت هذه الاختبارات أنه على الرغم من إمكانية تحديد آثار المخاطر على مستوى البنوك إلا أن القطاع المصرفي يبدو في وضع مريح عموما في ظل الرسملة الصلبة التي يتمتع بها وتوافر رأس المال الكافي مما يؤهله لدرء أيه مخاطر محتملة. حيث تم إجراء اختبار ضغط على جانب المطلوبات في الميزانية العمومية للقطاع المصرفي لتقييم تأثير مخاطر السحب من المودعين في جميع القطاعات الاقتصادية إلى جانب مخاطر تجديد الودائع من المؤسسات المالية الأجنبية، وتشير نتائج اختبار الضغط إلى أن جميع البنوك لديها مصادر سيولة كافية لتحمل المخاطر، وتحتاج غالبية البنوك إلى استخدام 25 % إلى 30 % فقط من سندات الخزانة الخاصة بها لتغطية هذه السحوبات، بالنظر إلى أن الموجودات السائلة الخارجية يتم استغلالها بنسبة 50 %.
ورصد «المركزي» تقليص القطاع المصرفي لمخاطره الجغرافية بشكل كبير من خلال تنويع المناطق التي قـام بتجميع ودائعه منها وأيضا تحسن هيـكل اسـتحقاقات مصـادر الأموال حيـث تمكنت البنـوك مـن حشـد المزيد من مصـادر الأمـوال باســتحقاقات طويلــة الأجــل ممــا يقلــل مــن مخاطــر التقلــب إلــى حــد أكبــر.
نمت موجـودات القطـاع المصرفي خـارج قطـر غير أن مشهد توزيع الموجودات خارج قطر تغير بامتياز حيـث خفضـت البنـوك الائتمـان الممنوح لغير المقيمين بينما زادت موجوداتها لـدى المؤسسات المالية كما تحسنت الاستثمارات خــارج قطــر ونتيجــة لذلـك، اتجهت البنـوك أكثـر نحـو الموجودات السـائلة، حيـث إن جـزءا كبيـرا مـن الموجودات مع المؤسسات المالية ذات طبيعة قصيرة الأجل.
درء المخاطر
ويقول المحلل المالي فواز الهاجري إن البنوك المحلية تتحوط من الانكشاف على المخاطر عبر تجنيب مخصصات تحوطية احترازية ، وفي حال تراجع مخاطر الائتمان والسوق والمخاطر الجيوسياسية والتخلف عن السداد خصوصا بعدما راكمت البنوك مخصصات هائلة على مدار الـ12 عاما الماضية فإن حصة من هذه المخصصات يتم تحريرها وتحويلها إلى أرباح الأمر الذي يعزز فرص نمو القطاع المصرفي المحلي .
وتابع الهاجري قائلاً : مع تخفيض مصرف قطر المركزي لنسبة فائدة الإقراض 3 مرات خلال العام الماضي لتصل إلى إجمالي 0.75 في المائة، وهي نسبة مرضية ومعتبرة، فقد أدى هذا التخفيض إلى زيادة مستويات الاقراض لدى البنوك وتمويل المشاريع المخلتفة للقطاع الخاص، لاسيما مع زيادة مستويات التسهيلات الائتمانية من البنوك المحلية بنسبة 9.1 في المائة وبواقع 85.7 مليار ريال، حيث ارتفعت من مستوى 940.7 مليار ريال في شهر نوفمبر 2018 لتصل إلى مستوى 1.02 تريليون ريال في شهر نوفمبر 2019 وهي احدث البيانات المتاحة على مصرف قطر المركزي.
المعيار 9
من جهته قال المستثمر، راشد السعيدي، إن انخفاض سقف المخصصات التحوطية بدأ يظهر في النتائج المالية للبنوك وهو ما يكشف عن كفاية المخصصات المتراكمة في ظل انخفاض مخاطر الانكشاف على القروض المتعثرة ورغم تطبيق البنوك للمعيار المحاسبي 9 اعتبارا من يناير 2019 والذي يفرض على المصارف استقطاع مخصصات اضافية للخسائر المتوقعة مستقبلا على جميع الموجودات المالية الائتمانية المنتظمة عند نشأتها، وخلال مراحل عمرها المختلفة.
وأكد السعيدي أن محركات النمو الرئيسية للبنوك تتمثل في إدارة الثروات للعملاء أصحاب الملاءة المالية الكبرى وتمويل المشاريع التنموية فضلاً عن تحرير المخصصات التي انتفت الحاجة إلى تجنيبها.
نمو الأرباح
وبدوره يتوقع المستثمر، احمد حسين، استمرار وتيرة نمو أرباح البنوك في العام 2020، حيث ستحظى بحصة من تمويل المشاريع التنموية المدرجة في الموازنة الجديدة والتي ستشهد استكمال المشاريع الرئيسية ومشاريع مونديال 2022 علاوة على ترسية العديد من المشاريع الجديدة في مختلف القطاعات والتي تصل تكلفتها الاجمالية إلى 11.5 مليار ريال ، الأمر الذي سينعكس إيجابا على البنوك القطرية ويعزز فرص نمو أرباحها.
وأشار حسين إلى ان مصرف قطر المركزي يخطط لإطلاق استراتيجية التكنولوجيا المالية «الفينتك» الجديدة ، مما سيؤدي إلى تعزيز اداء البنوك وارتقاء مستويات الخدمات التي تقدمها للعملاء معربا عن تفاؤله بالأداء القوي للبنوك المحلية من حيث نشاطها كأسهم قيادية تشغيلية ثقيلة مدرجة في البورصة القطرية، إلى جانب مواصلتها لتحقيق الأرباح واقرار التوزيعات السخية على المساهمين، أو عبر توسعها وانتشارها في السوق المحلي والأسواق الخارجية.
ويباشر مصرف قطر المركزي تنفيذ الخطة الاستراتيجية الثانية للقطاع المالي، والتي قام بإعدادها كل من «المركزي» وهيئة قطر للأسواق المالية وهيئة تنظيم مركز قطر للمال (الجهات الرقابية المالية الثلاث بهدف تحقيق خمسة أهداف رئيسية هي: تعزيز الرقابة على القطاع المالي والتعاون الرقابي، وتطوير الأسواق المالية وتعزيز الابتكار المالي، والمحافظة على نزاهة النظام المالي والثقة فيه، وتعزيز الشمول والتثقيف المالي، وتطوير رأس المال البشري.
وفي هذا الإطار يسعى المركزي إلى تنفيذ استراتيجية للتكنولوجيا المالية تســتخدم التكنولوجيــا لاستحداث نماذج أعمــال، أو تطبيقــات، أو عمليـات أو منتجـات جديـدة لهـا أثـر ملمـوس علـى الأسـواق والمؤسسات المالية وتعتمد على توفيـر الخدمات المالية وبما ان التكنولوجيا المالية تعتمد على التقاء أكثر قطاعات الأعمال حيوية وهما قطاعا المال والتكنولوجيا فقد اعادت تحديد ورسم وتوجية دائرة الأعمال فـي كافـة أنحـاء العالـم.
ويتوقع «المركزي» أن تؤدي التكنولوجيا المالية دوراً مهماً في قيادة الخدمات المالية في المستقبل القريب ومع ازدياد أهمية التكنولوجيا المالية، يرى «المركزي» ضرورة تعزيز الآليات القوية للأمن السيبراني، لكي لا تضيع فوائد التكنولوجيا المالية ويتطلب هذا الأمر مستوى معيناً من الاستعدادات في العديد من المجالات ومنها الحوكمة السيبرانية مثل فهم وتحليل التقنيات السيبرانية والوقائع الأمنية بشكل أفضل والشراكات الأمنية مثل ضمان الشراكات الأمنية الموثوقة بين مختلف مكوّنات النظام المالي