بعد طرح الأوراق النقدية الجديدة «المركزي» يدرس إطلاق عملة رقمية
كتب- سعيد حبيب | طرح مصرف قطر المركزي الإصدار الخامس للأوراق النقدية القطرية بتصاميم ومواصفات فنية وأمنية جديدة، اعتبارا من يوم الجمعة الموافق 18 ديسمبر 2020 بالتزامن مع الاحتفالات باليوم الوطني وتضمن الإصدار الجديد 7 فئات من الأوراق النقدية وهي 1، 5، 10، 50، 100، 200، 500 ريال قطري.
وعملاً بأحكام المادتين رقمي 54 و55 من قانون مصرف قطر المركزي وتنظيم المؤسسات المالية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 2012، تقرر سحب الأوراق النقدية من الإصدار الرابع من التداول خلال فترة 90 يوماً من تاريخ الطرح الجديد للإصدار الخامس في الثامن عشر من شهر ديسمبر 2020.
وقد أصبحت الأوراق النقدية من الإصدار الرابع عملة غير قانونية وغير مبرئة للذمة اعتباراً من يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من شهر مارس 2021، مع بقاء الحق لحاملها في استرداد قيمتها واستبدالها من مصرف قطر المركزي خلال مدة لا تتجاوز 10 سنوات بعد ذلك التاريخ.
وقد تضمنت الأوراق النقدية الجديدة فئة الـ 200 ريال الجديدة لأول مرة في تاريخ النقد القطري، بهدف سد الفجوة بين فئتي 100 و500 ريال وما يميز هذه العملة جمال الخط بحيث تعتبر دولة قطر الثانية عالميا بعد بريطانيا في جمال الخط بهذا الإصدار، كما أنها الأولى في الشرق الأوسط من حيث الشريط الأمني الموجود في فئة 500 ريال.
وفي سياق آخر قال محمد جاسم الكواري المدير التنفيذي لقطاع الدين العام والشؤون المصرفية والإصدار بمصرف قطر المركزي أن “المركزي” مازال يدرس إصدار عملة رقمية جديدة في إطار تطوير استراتيجية المدفوعات الالكترونية في قطر وتطوير قطاع التكنولوجيا المالية “الفينتك” في قطر.
ومن المقرر أن يستخدم مصرف قطر المركزي العملة الرقمية الجديدة المزمع اصدارها في الأنشطة المصرفية اليومية، مثل المدفوعات، والودائع، والسحب، ولتعزيز استراتيجية الدفع عبر الهواتف الجوالة والمحافظ الالكترونية كبديل عن تمرير بطاقة الائتمان أو إنفاق العملات الورقة أو المعدنية.
يورو رقمي
وكان البنك المركزي الأوروبي قد أعلن في اكتوبر 2020 عن اجراء اختبارات بشأن إطلاق “يورو رقمي” في دول العملة الموحدة وسيكون اليورو الرقمي نسخة إلكترونية من أوراق اليورو النقدية وقطعها المعدنية، يكفلها البنك المركزي الأوروبي وستسمح لأول مرة، للأفراد بالإيداع مباشرة لدى البنك المركزي الأوروبي، ما يشكل طريقة أكثر أمانا من إيداع الأموال لدى المصارف التجارية التي قد تفلس، أو الاحتفاظ بالأوراق النقدية التي قد تتعرض للسرقة أو الضياع وعلى غرار النقود، يمكن الاحتفاظ بالأموال خارج المنظومة المصرفية، في “محفظة رقمية” مثلا، من شأنها أن تسمح للأفراد والشركات القيام بعمليات الدفع اليومية بطريقة سريعة وسهلة وآمنة
وأكد البنك المركزي الأوروبي أن “اليورو الرقمي سيكون مكملا للنقود ولن يحل محلها، ويمكن إصدار أو تحويل المبالغ الرقمية باستخدام تقنية سجلات الحسابات المعروفة ببلوك تشين، وهي قاعدة بيانات عامة لا يمكن تنقيحها، تعتمدها العملات المشفرة”.
10 فروق جوهرية
ويجب هنا التأكيد على أن هناك فارقاً كبيراً بين عملات «البيتكوين» وأخواتها والعملة الرقمية المحتملة التي يدرس «المركزي» إصدارها وتتمثل أبرز الفروق بينهما في الآتي:
1- العملة الرقمية تحظى برقابة على تعاملاتها ويمكن السيطرة عليها ومتابعتها ومحاسبة ورصد أية مخالفات محتملة أو أية عمليات مشبوهة وفي المقابل فإن العملات الافتراضية (البيتكوين واخواتها) لا تتمتع بأيه نوع من أنواع الرقابة على تعاملاتها حيث لا تخضع لسيطرة أي سلطة مركزية أو حكومة.
2- العملة الرقمية عبارة عن أداة مالية مركزية وتحظى بنفس خصائص الورقة النقدية من حيث القيمة ويمكن استخدامها في شراء مشتريات أو سلع أو خدمات عبر الإنترنت ويمكن أيضا تحويلها إلى عملات أخرى وفي المقابل فإن العملات الافتراضية لا مركزية وتعتبر سلعة افتراضية في حد ذاتها.
3- العملة الرقمية تمثل تطوراً كبيراً في مسار أنظمة المدفوعات الرقمية وستمثل محوراً رئيسياً في مسار تقنيات الدفع الإلكتروني عالمياً في ظل تنامي التوقعات بتطور المدفوعات الرقمية خلال السنوات العشر المقبلة بينما تعتبر البيتكوين وأخواتها من العملات الافتراضية مجرد فقاعة للطامعين بتحقيق الربح السريع.
4- العملة الرقمية لقطر في حال إصدارها ستكون مغطاة بغطاء نقدي يضمن استقراراً سعرياً لها كما أنها ستكون مقومة بالريال القطري المرتبط بالدولار الأميركي في حين لا ترتبط العملات الافتراضية «بيتكوين وأخواتها» بأية غطاء نقدي.
5- العملة الرقمية ستعتمد على نظام رقابي صارم لمنع التلاعب بها وللحفاظ على استقرارها بينما لا تحظى العملات الافتراضية «البيتكوين» وأخواتها بأي نوع من أنواع الرقابة مما يوفر بيئة خصبة للتلاعب بها.
6- استخدام العملة الرقمية (عند صدورها) سيكون في نطاق واسع وفي جميع أنحاء العالم أسوة بالريال القطري الذي يجرى استخدامه في أي مكان بالعالم، وفي المقابل فإن العملات الافتراضية (البيتكوين واخواتها) غير معترف بها عالمياً ولا يتم التعامل بها إلا في مناطق لا تكاد تذكر.
7- العملة الرقمية لا يمكن استخدامها في عمليات غير مشروعة، مثل تسهيل عمليات تحويل الأموال للإرهابيين، أو تسهيل عمليات غسل الأموال بينما تتنامى شكوك عدة بشأن استخدام العملات الافتراضية «البيتكوين وأخواتها» في هذه العمليات المشبوهة.
8- تتطلب العملات الرقمية «تحديد هوية المستخدم» وفي المقابل فإنه يمكن بسهولة التحايل على هذا الأمر في العملات الافتراضية.
9- العملات الرقمية لا يمكن المضاربة عليها حيث تحظى باستقرار مماثل لاستقرار العملات الورقية التقليدية، بينما تعتبر العملات الافتراضية «البيتكوين وأخواتها» ساحة للمضاربة وهو الامر الذي أفضى إلى ارتفاع البيتكوين 2000 % في العام 2017 ليصل إلى 20 ألف نقطة ثم ينهار سريعاً إلى مستويات دون 8 آلاف دولار للبيتكوين الواحد في أنشطة عالية التقلب مما خلف خسائر فادحة للمستثمرين.
10- لا يمكن اختراق العملات الرقمية وفي المقابل فإن منصات العملات الافتراضية «البيتكوين» وأخواتها تتعرض لقرصنة مستمرة الأمر الذي أفضى إلى انهيار وإفلاس منصات عالمية وضياع أموال المستثمرين.
التكنولوجيا المالية
وحفزت جائحة كورونا تسريع التحول باتجاه التكنولوجيا المالية، حيث أعلن مصرف قطر المركزي في نهاية مارس الماضي عن تدشين نظام قطر للدفع عبر الهاتف الجوال (QMP) الذي يوفر وسيلة جديدة وآمنة للدفع الإلكتروني الفوري، وذلك بعد استكمال البنية التحتية وجميع متطلبات النظام المركزي للدفع الإلكتروني على مستوى الدولة، ووفقا لأفضل الممارسات العالمية في مجال خدمات الدفع عبر الهاتف الجوال. ويهدف النظام (الذي تم العمل به مؤخرا) إلى تمكين المستخدم من استخدام المحفظة الإلكترونية على هاتفه الجوال لتنفيذ عمليات الدفع الإلكتروني من شخص إلى آخر وسداد أثمان المشتريات بالإضافة إلى إجراء عمليات السحب والتغذية النقدية للمحافظ الإلكترونية بشكل فوري وعلى مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، كما يمكن النظام من فتح محافظ إلكترونية لجميع المستخدمين على حد سواء مما يساهم في تعزيز الشمول المالي في الدولة.
ولإجراء عمليات الدفع بشكل سهل وسريع، أصدر مصرف قطر المركزي مواصفات ومعايير موحدة لرمز الاستجابة السريع (QR Code) تمكن المستخدمين من القيام بالدفع عن طريق مسح رمز الاستجابة (QR Code) من خلال الهاتف الجوال لدى نقاط البيع ووسائل النقل العامة.
الخطة الاستراتيجية
ويسعى مصرف قطر المركزي إلى تعزيز جهود تطوير الأسواق المالية وتعزيز الابتكار المالي وهو الهدف الثاني ضمن الخطة الاستراتيجية الثانية لتطوير القطاع المالي والممتدة حتى 2022، حيث يستهدف «المركزي» تنسيق مبادرات السياسات لدعم التنويع والابتكار في الخدمات والمنتجات المالية عبر وضع وتطبيق استراتيجية التكنولوجيا المالية كهدف رئيسي إلى جانب أهداف أخرى تتمثل في تطوير إطار العمل التنظيمي لدعم منتجات الرينمينبي التقليدية ومنتجات الرينمينبي الإسلامية في أسواق رأس المال، وتشجيع الاستثمار المستدام والتمويل الأخضر، ووضع الحوافز للشركات المالية وشركات الصناعة لدعم التمويل الأخضر مع تكثيف التعاون مع بنك قطر للتنمية لتعزيز التنوع الاقتصادي من خلال التمويل الأخضر وتسهيل إصدار السندات الخضراء وتعزيز اعتماد التدابير البيئية والاجتماعية في أنظمة الحكومة المؤسسية المعتمدة بين الجهات الرقابية.
ووفق الخطة الاستراتيجية الثانية لتطوير القطاع المالي، فإن مجلس الاستقرار المالي يعرف مصطلح التكنولوجيا المالية «الفينتك» على أنها ابتكارات ماليــة تســتخدم التكنولوجيــا لاستحداث نماذج أعمــال، أو تطبيقــات، أو عمليـات أو منتجـات جديـدة لهـا أثـر ملمـوس على الأسـواق والمؤسسات المالية وتعتمد على توفيـر الخدمات المالية، وبما أن التكنولوجيا المالية تستند إلى التقاء أكثر قطاعات الأعمال حيوية وهما قطاعي المال والتكنولوجيا، فقد أعادت تحديد ورسم وتوجية دائرة الأعمال فـي كافـة أنحـاء العالـم.
وتشير الخطة ذاتها إلى أن ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في قطر في عام 2016 إلى نسبة تتخطى 90 %، مقارنة بنسبة عالمية تبلغ 46 % ونسبة أقل منها بقليل في العالم العربي، يشكّل تأكيداً على وجود أرضية صلبة لتطوير المنصة التكنولوجية. وبالتوازي مع ذلك، يربط هذا الهدف بين فوائد التكنولوجيا المالية (الفينتك) والتمويل الأخضر لخلق مناخ يسهّل الابتكار في القطاع المالي مع الحدّ في الوقت نفسه من آثار أي خلل قد يحدث، وشددت الخطة الاستراتيجية الثانية لتطوير القطاع المالي على أهمية ترسيخ مقومات الثقة مثل استخدام المعاملات الموثوقة الكاملة، كتقنيات البلوك تشين وهي تقنية رقمية لتسجيل المعاملات والتحقق منها و«تقنيات الأمن المتقدّمة» مثل القياسات الحيوية الفيزيائية والسلوكية، غير أنها في المقابل تؤكد أهمية طرح مسألة تطوير وتنمية قدرات الأمن السيبراني بشكل واضح. ولطالما كانت قطر السباقة إلى تطوير آليات الدفاع السيبراني، حيث قام مصرف قطر المركزي في يونيو 2017 بإطلاق ونشر الاستراتيجية الخاصة بأمن المعلومات في القطاع المالي بالدولة، وهي تتألف من خمس وظائف متزامنة ومستمرة، وتحدد الاستراتيجية الثانية لتطوير القطاع المالي كيفية تطوير وتشغيل مستويات الأمان الإلكترونية لخدمة المصالح الوطنية والأهداف الأمنية ومواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالقطاع المالي.
يذكر أن الخطة الاستراتيجية الثانية للقطاع المالي، التي قام بإعدادها كل من مصرف قطر المركزي وهيئة قطر للأسواق المالية وهيئة تنظيم مركز قطر للمال (الجهات الرقابية المالية الثلاث)، تستهدف تحقيق خمسة أهداف رئيسية هي: تعزيز الرقابة على القطاع المالي والتعاون الرقابي، وتطوير الأسواق المالية وتعزيز الابتكار المالي، والمحافظة على نزاهة النظام المالي والثقة فيه، وتعزيز الشمول والتثقيف المالي، وتطوير رأس المال البشري.