الريال .. شامخ كالجبال
إعداد- نورهان عباس
أبدت العملة القطرية "الريال" قوة مذهلة واستقرارا كبيرا في مواجهة الحصار، فيما نجح مصرف قطر المركزي في ردع محاولات الاضرار بالعملة ويلاحق حاليا المتورطين في الحرب الاقتصادية على الريال القطري من دول الحصار عن طريق مكتب المحاماة «بول، ويس، ريفكيند، وارتون وغاريسون» وهو المكتب الذي وكله "المركزي" لمتابعة التحقيق القانوني بشأن محاولات الإضرار بالاقتصاد القطري، من خلال التلاعب بالعملة وأسواق ومشتقات الأوراق المالية، وقد أخطر مكتب المحاماة العالمي الهيئات الرقابية في لوكسمبورغ وبريطانيا إلى جانب هيئة الأوراق المالية والسلع الأميركية لإجراء تحقيق موسع في التلاعبات التي قام بها بنك هافيلاند الخاص في لوكسمبورغ والذي قام بمحاولات لشن حرب اقتصادية على دولة قطر بهدف الإضرار بالريال القطري، فضلا عن محاولات أخرى للقيام بسحوبات مفاجئة من البنوك القطرية ومضاربات على السندات القطرية المقومة بالدولار والمدرجة في أسواق الدين العالمية إلى جانب إحداث فجوة سعرية للريال القطري بين أسعار الصرف الخارجية والمحلية.
ويشير تقرير الاستقرار المالي الصادر عن مصرف قطر المركزي إلى أن "المركزي" استخدم قنــوات الاتصــال لمنــع هجمــات المضاربــة علــى العملــة (الريال)، كمــا قام باجراء اختبــارات الضغــط لتقييــم قــدرة القطــاع المصرفــي علــى تحمــل ســيناريوهات الضغــط المعقولــة ولوحــظ أن القطــاع المصرفــي مــرن بمــا يكفــي لاحتــواء المخاطــر كما قدمــت الحكومــة حوافــز متنوعــة للقطــاع الخــاص، ولا ســيما قطــاع المشــاريع الصغيــرة والمتوســطة الحجــم لتطويــر القطــاع الزراعــي وقطــاع الألبــان.
وبعد مرور أكثر من 600 يوم على الحصار تبدو قوة العملة القطرية لافتة للأنظار خصوصا في ظل استقرارها وصلابتها وهو ما يشير اليه تقرير صادر عن شركة مارمور مينا إنتليجنس قائلا "أثبت الريال القطري أنه عملة مُحصنة أمام المخاطر وأنه يتمتع بمستوى استقرار كبير في ظل ارتباط الريال القطري بالدولار الأميركي.. كما أن ربط العملة القطرية بالدولار لم يزدها إلا تماسكاً، في وسط سوق العملات العاصف، الذي تسبب في هزة قوية بسوق العملات في الدول الخليجية الأخرى وعلى رأسها عملات دول الحصار".
وقال التقرير العالمي، إن الاقتصاد القطري يبدو أكثر استقرارا من نظرائه في الخليج، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها: سياسة التنويع الاقتصادي في قطر مما نشط روافد مثل السياحة، التي ضخت مجموعة من النقد الاجنبي، الذي أنعش احتياطيات البلاد الدولارية .
ويشير تقرير مارمور، إلى أن أزمة الحصار الاقتصادي المفتعلة، التي نشبت منذ أكثر من عام ونصف على المنطقة كان لها تأثير سلبي واسع على عملات دول الحصار، لافتاً إلى أن السياسات النقدية الحكيمة التي اتبعتها الحكومة القطرية في الفترة الأولى من الحصار ساهمت في استقرار الريال وعززت قوته امام المؤامرات التي حاولت النيل من الاقتصاد والعملة القطرية.
على الجانب الآخر، ورغم ربط الريال القطري بالدولار الأميركي منذ أكثر من 18 عاما، إلا أن قطر كانت واحدة من الدول التي حاولت الانتفاع بفوائد هذا الربط وتجنب سلبياته قدر الإمكان، مع تركيز مصرف قطر المركزي على بقاء الودائع الأجنبية كعامل ضامن لاستقرار سعر الصرف والتدخل لمنع أي تذبذب في السعر.
ويلفت التقرير إلى أن: "كفاية الاحتياطيات الأجنبية هي نقطة ارتكاز في مصداقية أي ربط للعملة، وعامل استقرار للعملات المحلية مهما كانت الظروف الاقتصادية وهذا ما أدركته قطر وحاولت تطبيقه منذ اندلاع الحصار وحتى الآن، وهو ما أبقاها صامدة وقوية حيث يبدو اقتصادها أكثر قوة وصلابة، مقارنة بدولة منطقة مجلس التعاون الخليجي الأخرى".
ويبين تقرير مارمور مينا إنتليجنس إلى أن أكبر أزمتين أضرتا بسعر العملات في منطقة مجلس التعاون الخليجي كانتا انهيار أسعار النفط في عام 2014 يليه اندلاع الحصار الخليجي على قطر في عام 2017.
وقال التقرير: "الحصار الذي شنته 3 دول خليجية على قطر كان له تأثير سلبي هائل على عملات دول الحصار، وتسبب في تذبذب عملات مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التوالي، وهذا التأثير له جوانب سلبية على اقتصاديات المنطقة حتى الآن".
ويقول تقرير مارمور، إنه كمؤشر على فساد الأوساط المالية في المملكة العربية السعودية، فقد حاولت الحكومة تطهير المؤسسات الأجنبية وشن حملة مزعومة على فساد رجال الأعمال، ولكن ذلك أثر بالسلب على الأسهم السعودية لمدة أربعة أسابيع متتالية.
ويشير التقرير، إلى أن ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي كان موضوعا نوقش على نطاق واسع في بعض البلدان الخليجية بعد انهيار أسعار النفط، الذي شهدته في عام 2014.
ويرى تقرير مارمور أن أي تقلبات في أسعار صرف العملات من شأنه أن يؤثر سلبا على الإيرادات المحتملة. ومن أجل تخفيف هذه المخاطر، ربطت دول دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها المحلية بالدولار الأميركي على اعتبار أنه عملة الاحتياط العالمية، التي ترتبط بها عدة عملات عالمية أخرى.
ويشير تقرير مارمور، إلى أن ربط العملات بالدولار يفرض مجاراة الرفع المتتالي للفائدة الأميركية أو خفضها، على الجانب الآخر، سيؤثر هذا الربط على ارتفاع تكاليف الاقتراض على الشركات الصغيرة والمتوسطة ، ممن يعتمدون على البنوك أو التمويل الخارجي (في حال رفع الفائدة) وهذا قد يعوق أيضاً عملياتهم التجارية. ومن شأنه كذلك ردع الشركات من توظيف الموظفين الجدد، مما سيؤدي إلى انخفاض معدلات فرص العمل الجديدة.
وقد ظهر ربط العملات بالدولار منذ عدة عقود في دول مجلس التعاون الخليجي. حيث كان الريال العماني مربوطا بالدولار الأميركي منذ عام 1986، والدرهم الإماراتي منذ عام 1997، والريال القطري منذ عام 2001 والدينار البحريني منذ 2001 أيضاً، والريال السعودي منذ عام 2003، وكذلك الدينار الكويتي في العام نفسه.
ويشير تقرير الاستقرار المالي الصادر عن مصرف قطر المركزي الى أن الاحتياطيــات الدوليــة لــدى مصــرف قطــر المركــزي تظــل كافيــة لمواجهــة الطــوارئ مــن جميــع الأنواع، كما أن القطاع المصرفي المحلي يتمتع بوضع سليم فيما بلغــت نســبة كفايــة رأس المــال أكثــر مــن الحــد الأدنــى المطلــوب مــن قبــل مصــرف قطــر المركــزي، بينمــا ظلــت نســبة القــروض المتعثــرة منخفضــة.. وبقيــت الربحيــة ســليمة وايضا تحســنت بعــد ذلــك هيكليــة الســيولة والتمويــل فــي هــذا القطــاع، والتــي توتــرت فــي بداية الحصار وعــادت إلــى الوضــع الطبيعــي.. وقــد اســتعاد القطــاع المصرفــي ثقــة المســتثمرين الدولييـن، كمــا يتضــح مــن تدفقــات نمــو الأمــوال مــن المؤسســات الماليــة الدوليــة والمســتثمرين مــن آســيا ومنطقــة أوروبــا.. وبشــكل عــام، نجــح القطــاع المصرفــي فــي التغلــب علــى الحصــار الاقتصــادي الجائــر بشــكل ملحــوظ، وهــو دليــل علــى مرونــة النظــام وأساســياته القويــة.
وأظهرت نتائج اختبارات الضغط التي أجراها مصرف قطر المركزي على البنوك المحلية لتقييــم قــدرة القطــاع المصرفــي علــى تحمــل ســيناريوهات الضغــط أن القطــاع المصرفــي مــرن بمــا يكفــي لاحتــواء ومواجهة أية مخاطر محتملة في ظل انخفاض مستويات مخاطر السيولة بصورة ملحوظة في الوقت الذي تسجل فيه معدلات القروض غير العاملة (المتعثرة) مستويات دون 2 % (1.57 %) وهي المعدلات الأقل على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
وتشير بيانات مؤشر الاستقرار المصرفي إلــى أن البنوك القطرية قادرة على مواجهــة نقــاط الضعــف غيــر المتوقعــة، ومواصلــة تقــديم الائتمــان للتنميــة الاقتصاديــة في ظل ارتفاع نســبة المخصصــات مقابل القروض غير العاملة ممــا زاد مــن قــدرة امتصــاص الصدمــات لــدى البنــوك. ومــع ارتفــاع رأس المــال، تراجعــت نســبة صافــي القروض غير العاملة إلى رأس المال بصورة ملحوظة، وكذلك تحســنت معــدلات الربحيــة الأخــرى. وعلــى ســبيل المثــال، تحســن هامش الفائــدة إلــى إجمالــي الدخــل، إلــى جانــب قيــاس كفــاءة أفضــل. وظلــت تغطيــة الموجــودات الســائلة إلــى المطلوبــات غيــر المســتقرة عنــد مســتويات مريحــة.
ويشير مسح إدراك المخاطــر الذي أجراه مصرف قطر المركزي إلى أن 90 % من المشاركين في المسح أكدوا زيادة الثقة في القطاع المصرفي المحلي، كمــا يشــير المســح إلــى أن المخاطــر الائتمانيــة الإجماليــة قــد انخفضت أو بقيت كما هي دون تغيير في 2017 وفقا لآراء أكثر من 50 % من المشاركين في المسح وأظهر المسح أيضاً توقعات المشاركين بانخفاض المخاطر النظامية ومخاطر السوق في 2018 و2019 ويتوقع أكثر من ثلثي البنوك انخفاض مخاطر السيولة في 2019، كما يشير المشاركون في المسح إلى أن مخاطر انخفاض أسعار النفط والتي كانت هاجساً كبيراً خلال السنوات الماضية تراجعت بصورة كبيرة.