شركة أميركية توظف مجرمين متقاعدين
ترجمة- منى عوض:
هل يستحق الأفراد ذوو السجلات العامة السوداء الناتجة عن ارتكابهم جرائم سابقة، فرصة ثانية في سوق العمل؟
هذا ما أثارته شبكة "بيزنس إنسايدر" الأميركية من خلال تقرير لها، تناول أحقية المتورطين السابقين في العودة للسوق مرة أخرة، متعرضة لتجربة شركة أميركية في هذا الإطار.
يبدو أن هذا النهج غير العادي المتمثل في المسامحة ومنح فرصة ثانية هو النهج الذي تتبعه شركة "الاستشارات الدولية للأصول" الأميركية، والتي تشرف على نحو 2.5 مليار دولار من أموال العملاء، في عمليات التوظيف، فهي تعمل على توظيف عدد من السماسرة العاطلين عن العمل بسبب ارتكاب جرائم سابقة، تتراوح من مخالفات في الجامعة ووصولا إلى أشخاص سيئي السلوك.
ومع ذلك، قالت شركات التوظيف إن هذا النهج لن ينجح بالنسبة لمعظم الشركات بسبب احتمال التعرض لمخاطر تتعلق بالسمعة وارتفاع مستوى الإشراف الداخلي، ولكن "إد كوفرانسيسكو"، رئيس شركة الاستشارات الدولية للأصول المتخصصة في إدارة الثروات في مدينة أورلاندو الأميركية، يصر على أن هذه الاستراتيجية سمحت له بالاستفادة من مجموعة واسعة النطاق من المواهب.
ويعتقد كوفرانسيسكو أن توظيف هؤلاء اﻷفراد هو اﻷمر الصائب الذي ينبغي اتباعه، خاصة أنه يؤمن بالفرص الثانية ووجود جانبين لكل قصة.
ومن بين الـ150 مستشارا ماليا المتواجدين لدى شركة الاستشارات الدولية، يتعين على 36% منهم وضع علامة "صحيح" بجوار أحد اﻷجوبة الموجودة في استمارة التسجيل الخاصة بهيئة تنظيم الصناعة المالية، والتي قد تؤدي إلى استبعاد المرشحين للعمل ممن لديهم سابقة ارتكاب جرائم في سجلاتهم بشكل تلقائي حتى قبل النظر في فرصة حصولهم على وظيفة في معظم الشركات.
وأوضحت مجلة "بيزنس إنسايدر" الأميركية أن أسئلة الإفصاح، الموجودة في 3 صفحات، توجه أسئلة للمتقدمين حول ما إذا كانوا قد اتهموا بجناية أو مجموعة متنوعة من المخالفات، كما أنه يتعين على المتقدمين أيضا تقديم تفاصيل حول أي اتهامات أو إلقاء للقبض عانوا منها مع أي من المنظمين مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات.
ووفقا لشركات التوظيف، يقوم معظم أرباب العمل تلقائيا برفض المتقدمين الذين يضعون علامة "صحيح" على أيٍ من الأسئلة الـ 57 في نموذج أسئلة الإفصاح التابع لهيئة تنظيم الصناعة المالية، ولكن شركة الاستشارات الدولية للأصول على العكس من ذلك تماما فهي تنظر إلى هؤلاء السماسرة بطريقة لم تراها جهات التوظيف من قبل.
وقال داني سارش، مؤسس شركة ليتنر سارش للاستشارات، وهي شركة توظيف في مدينة وايت بلينز بولاية نيويورك الأميركية، إن هناك الآن شركات معينة لا تعمل على توظيف الوسطاء ذوي السجلات السوداء، خاصة أن الشركات الكبرى غالباً ما ترغب في تجنب مخاطر السمعة التي قد تنجم عن توظيف مثل هؤلاء اﻷفراد.
ووجد باحثو جامعة شيكاغو وجامعة مينيسوتا في دراسة أجريت في عام 2016، أن 7% تقريبا من المستشارين الأميركيين لديهم سجلات خاصة بسوء السلوك، ولكن الشركات الكبرى، مثل "جولدمان ساكس" و"مورجان ستانلي"، انخفضت لديها هذه النسبة إلى ما يقل عن 1%.
وأضاف سارش أنه بمجرد أن يطلب منه السماسرة الذين يعانون من سجلات جرائم سابقة النصيحة، فهو يقول لهم إن الطريق صعب والشركات الكبيرة ليس بيدها سوى القليل لتقدمه لهم بسبب تلك السجلات، مسلطا الضوء على نهج شركة الاستشارات الدولية الذي يعد النهج اﻷول الذي يسمع عنه لشركة ذات استراتيجية محددة لتوظيف سماسرة ذوي السجلات السابقة بجانب مراعاة اﻷفراد التي يوظفونها أيضا، فهو أمر خارج عن المألوف تماما.
ووجد الباحثون سببا للحذر بالنسبة للشركات التي تفكر في اتباع نهج مماثل لنهج شركة الاستشارات الدولية، خاصة أن الجناة السابقين أكثر عرضة بخمس مرات للانخراط في سوء السلوك مرة أخرى في حل شغل وظيفة مستشار.
ونشأ كوفرانسيسكو في مقاطعة بروكلين بولاية نيويورك الأميركية، ومن ثم انتقل إلى وول ستريت من قبل والده، الذي كان يعمل كطاهٍ في غرفة الطعام الخاصة لبنك "جي.بي مورجان"، وبدأ كوفرانسيسكو في عالم التمويل عندما كان مراهقا حيث عمل كمساعد متداول في قسم تداول الأسهم في شركة Shearson Hayden Stone أثناء حضوره الفترة المسائية في المدرسة.
وفي النهاية، شق كوفرانسيسكو طريقه للاستحواذ على منصب نائب الرئيس في شركتي الاستثمار ليمان براذرز وريموند جيمس، ثم أصبح كبير مسؤولي العمليات في شركة الأصول الدولية القابضة، التي اشتقت عن شركة الاستشارات الدولية، ومن ثم غادر كوفرانسيسكو شركة اﻷصول الدولية وعاد إلى شركته الاستشارات الدولية في نهاية عام 2005 قبل شرائها في ديسمبر 2006.
وتبقى شركة كوفرسونسيسكو الآن بعيدة عن نطاق عمليات التوظيف في شركة الاستشارات الدولية، التي تديرها لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص، حيث تقوم آن موور، كبيرة موظفي تطوير الأعمال في الشركة، بفحص المرشحين وما إذا كان لديهم أي سجلات أو قضايا سابقة في البداية قبل تمرير ملف المرشح إلى اللجنة، المؤلفة من موور والمستشار العام ومسؤول الامتثال الرئيسي ومسؤول التشغيل الرئيسي.
وتتحقق اللجنة من المعلومات اﻷساسية وفحوصات الائتمان والأنشطة التجارية الخارجية وحتى نتائج البحث على موقع "جوجل" لتحليل وتحديد من يستحق الحصول على فرصة ثانية، وإذا عرضت هذه العمليات البحثية نتائج مشكوكا في أمرها تتحرى لجنة التوظيف من اﻷمر بدقة أكبر في هذه الحالة.
ويجب على ثلاثة من أعضاء اللجنة الأربعة الموافقة على المرشح، رغم أن المستشارة العامة ميرا نيكلسون قالت من قبل إن التصويت ينبغي أن يكون بالإجماع.
وقالت نيكلسون إنه في ظل كشف أسئلة الإفصاح التابعة لهيئة تنظيم الصناعة المالية عن مجموعة متنوعة من المخالفات، فإنها رأت تلك اﻷمور بشكل كبير، خاصة أن اللجنة تنظر إلى المرشحين غير المؤهلين للعمل في الشركات اﻷخرى، فعلى سبيل المثال، شهدت اللجنة شخصا كان يتجول في أحد المتاجر مع أحد أصدقائه الذي أقدم على السرقة من المتجر قبل بضع سنوات، وبالتالي اتهم كلا منهما بالسرقة، وهو اﻷمر الذي دفع هذا المرشح للوظيفة بوضع علامة "نعم" بجوار بند أخذ غير مشروع للممتلكات في أسئلة الإفصاح.
وقال نيكولسون إنه لا يهم ما هي الإجابة الموضوعة بجوارها علامة "صح" أو حتى تواجد تلك العلامة على عدة إجابات فتلك الإجابات ربما لا تشير إلى وجود مشكلة في توظيف المرشح، خاصة أن اللجنة تسأل المرشح بشكل أكبر لإيضاح اﻷمر حتى أنها قد تنظر إلى بعضها البعض وتتساءل حول المشكلة.
وبحسب "بيزنس إنسايدر"، عادة ما يخضع المستشارون الموظفون من خلال اللجنة للتدقيق أثناء العمل، كما أنه وفقا لتاريخ الموظف تقيد الشركة نوع عمل الوسيط وتوظف مراقبة إضافية عليه، وبالتالي تحصل الشركة على موظفين جيدين ربما لا ينظر إليهم أحد آخر.
أما بالنسبة لأولئك الذين يتم توظيفهم، أوضح كوفرانسيسكو بعدم وجود فرصة ثالثة، مضيفا أنه في 90% من الوقت يعمل السماسرة دون مواجهة أية قضايا أخرى.
وفي بعض الحالات، يكذب الموظفون بشأن خلفياتهم، حتى أنهم يتلاعبون بالأدلة، ولكن بمجرد صدور أي سلوك سيئ عنهم فإنه يتم الاستغناء عن خدماتهم على الفور، فعلى سبيل المثال كان هناك موظف واحد لديه مشاكل سابقة مع الاستخدام غير السليم للرسائل الإلكترونية، بما في ذلك حذف الرسائل، ولكن تم فصله عن العمل بعد القيام بنفس الأمر في شركة الاستشارات الدولية.
وأوضح كوفروفيسكو أنه إذا تم منح اﻷفراد فرصة ثانية بالتالي ينبغي في الوقت نفسه أيضا تبني سياسة عدم التسامح.
وتحافظ شركة الاستشارات الدولية على الحوار المفتوح حول استراتيجية التوظيف الخاصة بها مع هيئة تنظيم الصناعة المالية، متسائلة حول أفضل الممارسات وما تقوم به الشركات الأخرى، وقد أقامت الشركة سبع فعاليات إفصاح لتفصيل القضايا الجنائية والإجراءات التنظيمية والمسائل المالية الأخرى مع المنظم، رغم عدم المعاناة من أي منها منذ عام 2000.
ومع ذلك، تعد مسألة استئجار السماسرة الذين كان لديهم سوء السلوك في الماضي أبعد ما تكون عن أن تكون جديدة، فقد نشرت هيئة تنظيم الصناعة المالية والمجموعات الصناعية الأخرى هذا التوجه في تسعينيات القرن الماضي.
وفي الآونة الأخيرة، رسمت الهيئة بنوداً بعد دراسة 2016 حول سوء سلوك الوسيط، وفي تلك السنة كتبت السيناتور إليزابيث وارين وتوم كوتون إلى الرئيس التنفيذي للهيئة للتساؤل عن الخطوات المحددة التي ستتخذها المنظمة لمعالجة سوء السلوك المتفشي بين المستشارين الماليين.
ومنذ ذلك الحين قالت الهيئة إنها ستركز على ممارسات التوظيف والإشراف لدى الشركات للوسطاء المعرضين للخطر، كما أنها نشرت في أبريل الماضي إرشادات إضافية للشركات التي تنفذ ممارسات إشرافية للموظفين ممن لديهم تاريخ سابق من سوء السلوك.