رغم صعوده الكبير .. أهل السوق لايفضلون الـبيتكوين
كتب : محمد عبد العزيز
بتاريخ 22 مايو من عام 2010 قام المبرمج الأميركي لازلو هانياك، بالبحث عن شخص كريم يقبل أن يمنحه قطعتي بيتزا بقيمة 10 آلاف بيتكوين، ولم يخب ظن هانياك حيث قبل المطور الأميركي لازلو هانيتش الذي اشترى منه قطعتي البيتزا بـ 10 آلاف بيتكوين، ليتم تسجيل أول صفقة بالبيتكوين.. غير أنه لم يدر بخلد أحد.. أن تقفز قيمة الـ 10 آلاف بيتكوين من سعر قطعتي بيتزا في 2010 إلى 350 مليون دولار في 2021 مما يجعل سعر قطعتي البيتزا الأغلى في التاريخ!
في مطلع 2021 كسرت عملة البيتكوين المشفرة حاجز 35 ألف دولار مدفوعة بسباق محموم لشرائها وعمليات مضاربة مستمرة من قبل الحالمين بالثراء السريع، وتعتبر بيتكوين واحدة من الطفرات الرقمية المعقدة التي أفرزتها البرمجة خلال العقد الأول من الألفية الثانية على يد åساتوشي ناكاموتوò، ويمكن اعتبار ناكاموتو شخصا افتراضيا åحتى الآن نظراً لعدم الكشف عن هويته أو هويتهم إن صح العبير، حيث تشير الأبحاث التي أجريت عن نشأة البيتكوين إلى أن هذا الاسم مستعار أو رمزي يشير لأكثر من شخص من مؤسسي العملة الرقميةò.
ورغم أن أولى صفقات البيتكوين بدأت في عام 2010، إلا أن نشأتها الحقيقية ترجع لعام 2008، وقد طرحت للمرة الأولى للتداول عبر الإنترنت سنة 2009، وبلغ سعرها في 2010 مستوى 10 سنتات فقط، لكنه قفز في يناير 2016 إلى 400 دولار، واستمر المنحى الصاعد لتصل إلى 1130 دولارا في 2017، وفي 2018 وصل سعر العملة إلى 14 ألف دولار بينما بلغ في نهاية العام 2018 مستوى 3900 دولار، وكان الهبوط الكبير والطويل للبيتكوين مع دخول 2019 حيث بلغ سعر العملة حوالي 3500 دولار، غير ان العملة قفزت تدريجيا مع نهاية 2020 لتصل إلى 20 ألف دولار أميركي، ومع بداية العام الحالي 2021 قفز السعر من 29 ألف دولار إلى 32 ألف دولار ثم بلغت 40 ألف دولار ثم هبطت مؤخراً عند مستويات تدور حول 35 دولارا.
يتسم تاريخ مؤشر سعر البيتكوين بالجنون هبوطاً وصعوداً، وتصور الرسوم البيانية على مدار خمس سنوات صعوداً عاماً لمؤشر العملة، إلا أن منحدرات الهبوط حادة بما لا يتحمله المضاربون أصحاب القلوب الضعيفة، فرغم ما تمنحه العملة من نشوة المكسب إلا أن حسرة الخسارة سرعان ما تطفئ بريقها مرة أخرى.
أصدقاء البيتكوين
إذا، هل هناك من يعترف بالبيتكوين كنظام للتعاملات النقدية؟ نعم، هناك أكثر من 9 دول تعترف ضمنياً بالبيتكوين حتى الآن وأولها بالطبع «اليابان» التي تستحوذ على 10% من إجمالي زيارات المتداولين حول العالم بحسب الأبحاث التي نشرتها مواقع التداول المتخصصة، وفي آسيا أيضاً تأتي «سنغافورة»، كما أن «أستراليا» من الدول التي سرعان ما سنت قوانين للتعامل مع البيتكوين، تليها الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وسويسرا ومالطا وأستوانيا وسلوفينيا.
وخلال العام 2020، أعلن عملاق التسوق الإلكتروني «باي بال» إمكانية الشراء بعملة «بيتكوين» على المنصات التي تستخدم نظامه للدفع، ما يعتبر اعترافاً واضحاً بالاستسلام أمام العملة المستعظمة مجهولة المصدر.
محظورة محليا
وفي 2018، أعلن مصرف قطر المركزي بشكل قاطع حظر التعامل بالبيتكوين، حرصاً على سلامة الجهاز المالي والمصرفي المحلي، ومنع البنوك من التعامل بها «البتكوين» بأي شكل من الأشكال أو تبديلها بأي عملة أخرى أو فتح حسابات للتعامل بها، أو إرسال أو استقبال أي حوالات مالية بغرض شراء أو بيع تلك العملة.
وأكد المصرف المركزي أنها عملة غير قانونية ولا تعتبر عملة يمكن تبديلها بنقود بنكية أو سلعة مادية موجودة في الأسواق أو ذهب، ونوه إلى المخاطر العالية التي تكتنف المضاربة عليها.
ربح سريع
وعلى الرغم من التحذيرات الصادرة من «المركزي»، إلا أن المئات من المواطنين والمقيمين في قطر يضاربون على عملات الـ «بيتكوين» وأخواتها من العملات الأخرى المشفرة ؛ سعياً لتحقيق أرباح سريعة، بصرف النظر عن تقلباتها الجنونية وهبوطها السريع في كثير من الأحيان.
ويرى أهل السوق من رجال الأعمال والاقتصاديين أن الاستثمار بالبيتكوين مغامرة غير محسوبة العواقب قد تؤدي إلى تآكل كامل رأس المال، مشيرين إلى أن كثيرا من المستثمرين في البيتكوين تكبدوا خسائر على وقع التقلبات الحادة في سعر العملة المشفرة.
لا قانون
ويقول رجل الأعمال والمحلل الاقتصادي فواز الهاجري إن بيتكوين عملة ليست معتمدة دولياً للتداول، كما أن استخراجها وتعدينها صعب والاستثمار فيها محفوف بالمخاطر وشديد التقلب، ولا قوانين رسمية لها معتمدة في الدول، ومثل هذه العملات يفضل الابتعاد عنها، لأن الاستثمار فيها «خطير جداً».
وأضاف الهاجري أن تقلبات سعر العملة بهذا الشكل تدل على مخاطرها المرتفعة، فقد وصلت قبل عامين إلى 20 ألف دولار أميركي ثم هبطت بسرعة لمدة طويلة وسرعان ما ارتدت مرة أخرى صعوداً إلى 30 ألف دولار أميركي ثم إلى 40 ألف دولار وتدور حاليا حول مستويات فوق 30 ألف دولار، ومعنى هذا أن المشتري عند سعر معين قد يفقد نصف رأس ماله أو رأس ماله كله في غضون ساعات.
وأكد أن «بيتكوين» عملة مجهولة المصدر والإصدار حتى الآن، ونوع المستثمرين فيها ليسوا رجال أعمال بل مضاربين، ويمنحون إيحاءً وهمياً للناس بأنها سوف تصعد دون توقف، ونلاحظ دائماً أن إعلانات الـ «بيتكوين» تطاردنا على مواقع التواصل الاجتماعي سعياً لجذب الآلاف لشرائها.
وأشار الهاجري إلى أن اختراعها ونشأتها كانت في «اليابان» عبر الإنترنت، وتعدينها يحتاج لكمية كبيرة من الطاقة الحوسبية، وهذه الطريقة لصناعة عملة ذات قيمة تشوبها المخاطر وتتسم بالغموض التام، وهو ما يختلف كلياً عن الاستثمار الطبيعي.
رهن القبول
ويرى الدكتور رجب الإسماعيل الخبير الاقتصادي ومدير مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر في جامعة قطر أن التداول بعملة «بيتكوين» رهن قبول وموافقة الدول والمصارف المركزية حول العالم وما يتبعها من تشريعات قانونية ولوائح تنظيمية وضريبية وغيرها من الأطر المؤسسية.
وقال: «ينبغي الحذر من الاستثمار في البيتكوين، فمؤشرات صعودها وهبوطها متقلبة للغاية»، مضيفاً أن التداول فيها حتى الآن مسموح على شبكة الإنترنت ولكنها غير مرتبطة بالغطاء النقدي ولا تمثلها أية جهة تنظيمية، رغم أنها أصبحت مقبولة على الساحة الاستثمارية مؤخرا.
وتوقع الإسماعيل أن تقوم بعض الدول بإقرار قواعد تنظيمية للتعامل مع العملات المشفرة مستقبلا، لافتاً إلى مقترح سابق تم طرحه على دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بقبول العملة إلا أنه لم ينظر فيه حتى الآن.
أما عن موقفه الشخصي من شراء بيتكوين، قال الإسماعيل «لا أشجع الاستثمار في البيتكوين، لكنها تصلح للمضاربة المشروطة بالمتابعة اللحظية للمحفظة الاستثمارية، فالخسارة قد تداهمك في لحظة واحدة» !
ورأى أن البعض قد يلجأ لها من باب الاحتياط للبعد عن اضطرابات العملات النقدية والذهب، أما عن مستقبل البيتكوين فقال الإسماعيل إن الرؤية المستقبلية لتلك العملة غير واضحة حتى الآن، حيث إن العملات المشفرة الافتراضية لا تتمتع بأي نوع من أنواع الرقابة على تعاملاتها ولا تخضع لسيطرة أي سلطة مركزية أو حكومة.
القنوات الاستثمارية
ويقول رجل الأعمال حسن الحكيم إن الدخول في عالم «بيتكوين» مغامرة وليست مضاربة، ولا يحكمها سوى «الحظ»، ولا أعتقد أن تعترف بها المجمعات والأسواق العالمية، فهناك آليات وضوابط للاستثمار تفتقر اليها عملة البيتكوين التي لا تحظى بأي نوع من أنواع الرقابة، مما يوفر بيئة خصبة للتلاعب بها، كما ان البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة لا تتطلب «تحديد هوية المستخدم» ويمكن اختراقها حيث تتعرض منصاتها الالكترونية لعمليات قرصنة، مما قد يؤدي إلى ضياع استثمارات بالملايين.
ورأى الحكيم أن القنوات الاستثمارية التقليدية مثل البورصة والعقارات والمشاريع الخدمية والصناعية أفضل من البيتكوين لأنها تمثل قنوات آمنة وتحقق عوائد جيدة، كما أنها خاضعة لرقابة الجهات المسؤولة، وبالتالي فإنها تحمي حقوق المستثمرين.. صحيح أن عوائدها أقل بكثير من مكاسب البيتكوين غير أن البيتكوين مغامرة غير مأمونة العواقب بلا جهة تنظيمية ومثلما يحقق عوائد فإن مستوياته السعرية تتهاوى في لحظة واحدة في مشهد أشبه بالسقوط الحر.
مجرد فقاعة
ووصف رجل الأعمال محمد عبدالله العبيدلي عملة «البيتكوين» بأنها مجرد «فقاعة»، مؤكدا أن الكثير من الدول حذرت من خلال مصارفها المركزية بالتعامل أو التداول بها، فلا يوجد مبرر لصعودها أو هبوطها لأنها غير مرتبطة بغطاء نقدي غير أن جائحة كورونا وتزايد حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي رفعت من شهية المضاربات عليها، وبالتالي حدث لها تضخم سعري.. وكما قال المثل «ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً».
وأشار العبيدلي إلى أن الرسوم البيانية لسعر «بيتكوين» على مدار سنة أو أكثر توضح تقلباتها الشديدة في الهبوط والصعود، وهو مايعرض المستثمرين فيها لمخاطر عالية جداً تصل لخسارة كامل رأس المال.
ولفت إلى أن المصارف المركزية العالمية غير معترفة بها، وهذا يفقدها الثقة من قبل المؤسسات الحكومية والجهات المنظمة للتعاملات المصرفية.
وأضاف أن رياح المكسب السريعة تحوي الخسارة بداخلها، فهناك دروب استثمارية آمنة ومضمونة عبر الزمن يلجأ لها الكثيرون، وهي الملاذ الآمن لرواد الأعمال والمستثمرين في جميع الدول، وتتمثل في القنوات الاستثمارية المحمية بضوابط وقواعد والتي تحفظ حقوق المستثمرين.
وأكد أنه شخصياً لا يفضل الاستثمار في «بيتكوين» ويرجح دائماً التوجه للقنوات الاستثمارية التقليدية، حتى وإن كانت هذه القنوات منكشفة على مخاطر ما.. فإن هذه المخاطر تبقى محدودة مقارنة بتذبذبات البيتكوين الصادمة، ويبقى أيضاً رأس المال في مأمن بنسبة كبيرة جداً على خلاف طرحه على منصات إلكترونية لاندري من يديرها ومع من نتعامل.
خارج السيطرة
ويقول عمار محمد مستشار ومدرب التسويق الرقمي إن المضاربة على «بيتكوين» خارجة عن السيطرة، ولا توجد أي أطر قانونية تحمي المتعاملين، مبينا أن «بيتكوين» يمثل استثمارا سريع الربح لمن يرغب، إلا أن أصحاب الخبرة يبتعدون قليلاً عن مثل هذه القنوات الاستثمارية عالية المخاطر، نظراً لغموضها الشديد واضطرابها السريع والمفاجئ وقابليتها للتلاعب وغياب أي نوع من أنواع الرقابة على تعاملاتها.