سألنا رجال الأعمال: ما هو أكبر مبلغ خسرتموه؟
كتب- محمد الأندلسي | يخشى قطاع كبير من المستثمرين تكبد الخسائر غير أنهم لا يدركون أن الخسارة جزء من معادلة الربح ..فمثلما يريد المستثمر تحقيق المكاسب عليه أيضا أن يجهز استراتيجية للتعامل مع الخسائر وكما يقال فإن “التجارة ..مكسب وخسارة” ، فلا يوجد صك لضمان الارباح بشكل دائم ، كما ان الخسارة لا تعني نهاية الطريق في عالم التجارة وقطاع الاعمال، بل يجب ان يتم التعلم من الدروس التي تخلفها الخسائر من خلال إدارة المخاطر وتنويع المحفظة الاستثمارية للمستثمر وعدم الارتباط عاطفيا بالاستثمار.
وفي هذا الإطار سألنا رجال الأعمال: ما هو أكبر مبلغ خسرتموه؟..فأكدوا انهم تكبدوا خسائر تقدر بملايين الريالات في مشوار حياتهم العملية والتجارية غير أن ذلك لم يثنهم عن التعلم من خسائرهم والمضي قدما في الاستثمار لتحقيق النجاح ، مشيرين إلى أن الخسائر التي تكبدوها كانت بداية للنجاح ، حيث لا يتذوق طعم النجاح إلا من تجرع مرارة الخسارة، لذلك يجب على الجيل الجديد من الشباب ان يقوم بوضع كافة تفاصيل المشروع الذي يرغب بتنفيذه نصب عينيه، ويتبع الأساليب العلمية الحديثة في الإدارة، مع فرض اسوأ السيناريوهات وأفضلها، وتوقع الخسارة قبل الربح، بالاضافة إلى عدم استعجال تحقيق المكاسب بل يجب ان يتمتعوا بالصبر وعدم اليأس في حال فشل المشروع، واعتباره نقطة انطلاق جديدة لهم بعد اكتسابهم هذه الخبرة.
وفي التفاصيل يقول نائب غرفة قطر سابقا، عبد العزيز العمادي: من الطبيعي ان يفشل المستثمر في بداية المشروع خاصة اذا لم يكن يمتلك الخبرة الكافية ولم يقم بوضع دراسات الجدوى الاقتصادية اللازمة للمشروع، ومن الطبيعي ايضا أن تكون هناك اخطاء لرواد الاعمال في مشروعهم الأول ولكن السؤال المهم : ماهي نوعية هذه الأخطاء؟ .. فهناك أخطاء بسيطة وأخرى قاتلة، ولا بأس من الخطأ البسيط الذي يعمل على اكتساب المستثمر للمزيد من الخبرات، ولكن يجب الابتعاد عن النوع الاخر من الاخطاء وهو الخطأ الفادح الذي يصيب المشروع بأكمله في مقتل ويؤدي إلى تكبد خسائر فادحة قد تصل إلى ضياع كامل رأس المال المستثمر في المشروع، لذلك ينبغي على رائد الأعمال ان يستثمر حصة من رأسماله في مشروعه الأول لكي يستطيع تقليص مستوى المخاطر ..واذا تكبد خسائر يمكنه أن يعوضها ..واذا حقق أرباحا يمكنه ان يزيد إجمالي المبلغ المستثمر في المشروع.
وتابع قائلا: يجب أن يضع الشباب في ذهنهم أن الفشل ليس سوى سوى فرصة أخرى للبدء من جديد، بحيث تكون البداية هذه المرة بشكل أكثر ذكاء، واذا تكبدوا خسائر عليهم أن يدركوا ان كبار رجال الأعمال تذوقوا طعم الخسائر قبل ان تنهال عليهم المكاسب ..وكانوا يعتبرون ان خسارتهم لمشروع ما تعني أن أموالهم كانت محملة على باخرة وغرقت ..دون أن يتسرب الاحباط اليهم..وسرعان ما يعاودوا النهوض مجددا متعلمين من الفشل والخسار ليشقوا طريقهم نحو النجاح .
ويتابع العمادي قائلا : على المستوى الشخصي تكبدت خسائر وحققت أرباح ..لكن أكبر خسارة تكبدتها في مسيرتي الاستثمارية بلغت أكثر من 25 مليون ريال، ولم تكن هذه الخسارة نهاية المطاف حيث تعلمت كثيرا منها وتجنبت الأخطاء التي ارتكبتها ونجحت في تعويض هذه الخسائر خلال فترة وجيزة متسلحا بالعزيمة والصبر والاصرار على الكفاح مرة اخرى.
وأضاف : أحد اصدقائي تكبد خسائر هائلة فاقت النصف مليار ريال (500 مليون ريال)..تآكل كامل رأسمال مشروعه ..لكنه نجح في استجماع قوته وتسلح بالصبر معوضا هذه الخسائر التي تعلم بها درسا مؤثرا في حياته العملية والاستثمارية.
واختتم قائلا : بعض الشباب يتخوفون من الخسائر ..اذا تخوفت من الخسائر فمن الأجدر لك أن تعمل في أي قطاع آخر غير التجارة والاستثمار. فالعمل التجاري يحتمل الربح والخسارة وبالتالي فإن تقبل الخسائر والمضي قدما يمثل أحد أبرز ركائز النجاح في عالم التجارة والاستثمار واذا نظرنا إلى سيرة رجال الأعمال الكبار سنجد انهم تكبدوا خسائر في البداية ثم وصلوا إلى الأرباح في النهاية .
وأشار العمادي إلى ان الشباب من رواد الاعمال يتمتعون حاليا بمحفزات قوية على التجارة والاستثمار مع درء المخاطر ، من خلال بنك قطر للتنمية الذي يقدم التمويل والنصح والمشورة وحاضنات الأعمال التي تحتضن رواد الأعمال بشكل كامل فضلا عن الأدوات التكنولوجية الحديثة ، بالاضافة إلى الخبرات التي يمكن ان يتعلموها سواء نظريا في الجامعات والكليات المتخصصة أو في تجربتهم الشخصية أو تجارب اصدقائهم، مشددا على أهمية ان يعتبر الشباب المقبل على تدشين المشروع الأول ان قطاع الاعمال هو معركة يجب ان يخوضوها بكل قوة ليتمكنوا من الاستمرار في السوق حتى لو اضطروا للعمل لمدة تصل إلى 20 ساعة يوميا لمتابعة العمل عن كثب، كما كان رجال الاعمال القدامي يفعلون ذلك، حتى يتمكنوا من النهوض بأعمالهم ومشاريعهم والوصول إلى النجاح المستدام.
خسائر بالملايين
من جانبه اعتبر رجل الاعمال علي حسن الخلف، ان تكبد الخسائر والعثرات في المشاريع وقطاع الاعمال هي ضريبة الأعمال الحرة إلا انها تمنح مزيدا من الخبرات والتحفيز لرجل الاعمال ليستثمر فشله ويحوله إلى نجاح ويتعلم من مثل هذه التجارب المفيدة، كما ان رجل الاعمال عندما يعيش واقعه تتاح له كثير من فرص الاعمال المتنوعة التي تجعله يقلل من درجة المخاطر والخسائر المحتملة لاسيما اذا كان يتبع الاساليب العلمية والعملية في تجارته ومشاريعه، لافتا إلى ان من اخطر عوامل فشل المشاريع لرواد الاعمال في بداية مشوارهم هو توقع النجاح السريع، خاصة وان غالبية الشباب يقعون في فخ الرغبة الجامحة لتحقيق النجاح والربح السريع بأسهل الطرق، ولا يتذكروا ان ما يأتي سريعا يذهب سريعا أيضا.
وأشار الخلف إلى انه قد تعرض لخسارة بلغت عشرات الملايين من الريالات في مشاريع مختلفة خلال حياته العملية والتجارية لكنه نجح في محو هذه الخسائر وتحقيق أرباح لاحقا ، وهذه الخسائر هي ما منحته الدروس والخبرات المتراكمة وساعدته على شق طريقه نحو النجاح ، مقدما النصح للشباب المتحمس لبدء مشروعه الأول بأن يضع نصب عينيه الخسارة قبل تحقيق الربح من المشروع، مع تجنب الإحباط في حال التعرض للفشل في البداية، لاسيما وان النجاح الحقيقي لا يتحقق من أول مرة بل يجب ان يؤمن الشباب أن النجاح وتحقيق الارباح يحتاج للكثير من الصبر والتحمل، وألا يسمحوا لأنفسهم بالاستسلام والانسحاب من السوق بمجرد خسارتهم.
ونوّه الخلف إلى انه رغم تكبد عدد من الشباب لخسائر في بداية مشوارهم العملي، إلا ان ذلك لا ينفي وجود جيل جديد من الشباب في قطاع الاعمال استطاع بفضل الادوات والوسائل العلمية الدقيقة واتباع نهج واستراتيجية متطورة تكيفت مع حاجة السوق ومتطلباته، ان يحقق مستويات مرتفعة من النجاح الباهر، وهو ما جعل هؤلاء الشباب يتخطوا حتى نجاحات التجار القدامى وتجاوزها.
نصائح للشباب
بدوره قال المستثمر حمد صمعان الهاجري ان أي مشروع يبدأ بفكرة ومن ثم تتطور هذه الفكرة ، واذا تم هذا التدرج الممزوج بالخبرة وبشكل صحيح فسيتم ترجيح كفة النجاح على كفة الفشل والخسارة، لهذا يجب على جميع الشباب المقبل على إنشاء شركته الخاصة ان يستعين بخبرات رجال الاعمال القدامى الذين اختبروا مرارة الفشل وذاقوا طعم النجاح المميز، حتى يتمكنوا من تجنب الاخطاء في قطاع الاعمال خاصة في بداية المشاريع.
وأضاف الهاجري : في قطاع الاستثمار في البورصة كل الاحتمالات مفتوحة، وخلال فترة الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008 وانهيار البورصات العالمية تكبدت خسائر بلغت نحو 60 مليون ريال، ولكن هذا لم يكن بسبب خطأ مني بل كان نتيجة عوامل خارجية متعلقة بالأزمة المالية العالمية والتي ألقت بظلال سلبية ثقيلة على جميع المستثمرين الذي تكبدوا ايضا خسائر بالملايين وفي مرحلة لاحقة عوضت خسائري في الأسهم وتحولت محفظتي إلى الربحية، لذلك يجب ان يضع الشباب في بداية عمره العملي والتجاري نصف رأسماله فقط في المشروع الأول ويحتفظ بالسيولة لاقتناص الفرص المتاحة مع ضرورة تنويع استثماراته لتشمل مجموعة مختلفة من الأصول وينبغى أن يتجنب الارتباط العاطفي بالمشروع أو الأسهم وأن يتخذ خيارات البيع والشراء بمرونة تضع على رأس أولوياتها اعتبارات الجدوى الاستثمارية.
ونصح الهاجري الشباب بأن يتمتع بذهنا صافيا واستراتيجية حصيفة وواضحة ودقيقة في عمله ومشروعه، بالاضافة إلى سرعة اقتناص الفرص مع درء المخاطر وتنويع مصادر دخله، مشددا على أهمية ألا يتردد الشباب كثيرا في خوض مخاطر قطاع الاعمال، حيث يعد هذا الشعور بالتردد الذي يتملك البعض هو السبب الرئيسي للركود في الحياة العملية، خاصة وان الأفراد الذين يشعرون على الدوام بالخوف من خوض الكفاح في قطاع الاعمال والخوف من الفشل في المشروع لا يفعلون شيئا في حياتهم العملية كما انه يضيعون على أنفسهم الكثير من الفرص التي كان يمكن أن تغير حياتهم، متناسين أن أي استثمار أو مشروع هو بحاجة إلى درجة من المخاطرة.
الاستعانة بالخبرات
من جهته نصح رجل الاعمال أحمد الخلف، الشباب المقبل على الانخراط في قطاع الاعمال ان يتوجهوا ويستفيدوا من غرفة قطر ويستعينوا بها خاصة وانه من دورها ان تقدم كافة النصائح والوسائل التي تساعد الشباب القطري على بداية مشروعهم في السوق المحلي ومدهم بالخبرات اللازمة التي لدى غرفة قطر والتي تلعب دورا هاما في دعم جميع التجار القطريين.
وقال الخلف ان الخطأ لا مفر منه في قطاع الاعمال، ولكن يمكن أن يكون الخطأ أكبر إذا لم يتم تداركه سريعا وتركه دون إرشاد من أصحاب الخبرات، حيث ينقسم المستثمرون إلى نوعين الأول هم من يفضلون التعلم من أخطائهم، والنوع الثاني هم من يستمتعوا بالتعلم من أخطاء الآخرين، وكلاهما جيد، ولكن التعلم من أخطاء الآخرين سيجعل رائد الاعمال أكثر حكمة وذكاء لتجنب الأخطاء التي وقعوا بها الاخرين، كما سيكسب رائد الأعمال مزيدا من الخبرات التي ستساعده على تجنب اخطاء لا داعي لها قد عانى منها الآخرين خاصة في بدايات المشاريع.
ونوّه الخلف إلى انه على المستوى الشخصي قد تعرض لخسائر كبيرة وصلت إلى ملايين الريالات ، ولكن هذا لم يؤثر عليه كثيرا لأنه كان يتبنى استراتيجية تنويع الاستثمارات ولديه خطط بديلة ويدرك جيدا ان الخسائر جزء من صميم الاستثمار والعمل التجاري وبالتالي فقد نجح في تجاوز هذه الخسائر المليونية واستعادة توازنه مجددا بعدما تعلم جيدا من درس الخسائر، لافتا إلى ان طعم النجاح بعد تكبد الخسارة له طعم مختلف عن أي نجاح آخر.
واكد الخلف أهمية دراسة الجدوى الاقتصادية قبل تنفيذ أي مشروع لاسيما وان هناك شركات متخصصة تقوم بذلك، موضحا ان دراسة الجدوى تعد أهم وأبرز الأدوات التي تساعد المستثمر على اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة للمشروع، كما انه من خلال دراسة الجدوى الاقتصادية ستظهر تكلفة المشروع بالإضافة إلى العوائد المتوقعة منه على مدى عدة سنوات، وهو ما يعزز من قدرة المشروع على تحقيق النجاح وتجنب الخسائر باكبر قدر ممكن، علاوة على انها تساهم في تحقيق أفضل تخصيص ممكن للموارد لدى الشباب المقبل على البدء بالمشروع الأول.