كتبت- نورهان عباس:
المرونة والعلاقات الدولية والمركز المالي المستقر.. بعض من مقومات عديدة تملكها دولة قطر، وتستطيع أن تصل بها لتحقيق طموحها في اعتلاء صدارة سوق التمويل الإسلامي حول العالم ليصبح التمويل الاسلامي صناعة قطرية وذلك عبر التعاون الثلاثي مع شريكين ذوي ثقل كبير في هذا القطاع، وهما ماليزيا وتركيا، وفق ما أكده موقع إيكونوميك تايمز الأميركي في تقرير له عن سوق التمويل الإسلامي.
ولفت التقرير إلى أن قطر تُخطط لمبادرة طموحة مع ماليزيا وتركيا، للسيطرة على مفاصل سوق التمويل الإسلامي العالمي، الذي تبلغ قيمته 2 تريليون دولار أميركي، عبر خلق محاور بين البلدان الثلاثة لخدمة القطاع، وباستخدام منصات وتكنولوجيا مشتركة.
وأضاف الموقع: «جاء الإعلان عن هذا التوجه من قبل السيد يوسف محمد الجيدة، الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال، في الوقت والمكان المناسب، حيث يعد موقف قطر المالي الآن حافزاً لتعاون أي دولة اقتصادية كبرى معها، سواء كان ذلك في قطاع التمويل الإسلامي أو غيره من القطاعات».
وأشار الموقع، إلى أن زعماء الدول الثلاث، يتعاونون بالفعل في عدد من السياسات العالمية لقضايا من بينها تغير المناخ والتكنولوجيا والإرهاب، وسيكون التمويل الإسلامي أحدث محطة للشراكة الناجحة والمستمرة بينهم.
وأكد موقع إيكونوميك تايمز الأميركي: «برنامج التمويل الإسلامي هو علامة على الانتصار الأحدث لقطر، التي تخطت الآن بكل تأكيد تبعات الأزمة الخليجية المستمرة منذ أكثر من سنة ونصف، بسبب الحصار الجائر، الذي تفرضه الدول المجاورة عليها، حيث تحولت الأزمة إلى نعمة مقنعة، وحافز للدولة الخليجية لتنويع اقتصادها، بعيداً عن النفط والغاز، والاستفادة من أسواق جديدة حول العالم».
على الجانب الآخر، أظهرت فلسفة تجنب المخاطر، التي تستند إليها النماذج المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، أن التمويل الإسلامي أظهر نمواً سريعاً، على مدى العقد الماضي.
ويقدر مؤشر ستاندرد آند بورز بلوغ أصول قطاع التمويل الاسلامي مستوى ريليون دولار، في حين أنه من المتوقع أن تصل قيمته إلى 3 تريليونات دولار خلال السنوات القادمة.
ووفقاً لمؤسسة إرنست ويونغ الاقتصادية العالمية، فإن 93٪ من تلك الأصول يمكن العثور عليها في تسعة بلدان فقط، وقطر هي واحدة من أهمها، وبالفعل، فإن أكبر أربعة بنوك قطرية زادت من ممتلكاتها من الصكوك (السندات الاسلامية) بنسبة 37.7 في المائة، خلال العام الماضي، لتعزيز مركز البلاد.
وعن ماليزيا قال موقع إيكونوميك تايمز الأميركي إنه في هذه الأثناء، تم تأسيس عدد كبير من البنوك الماليزية بالفعل، لتتحول إلى واحدة من بين أكبر مصدري الصكوك (السندات المتوافقة مع الشريعة) في أي مكان في العالم، مع استحواذها على 34٪ من السوق العالمية في عام 2017.
وهي الآن تحاول العمل جنبا إلى جنب مع تركيا لتلبية الاحتياجات الأوروبية، ويمكن أن يشكل تعاونها مع قطر تهديدا حقيقيا على وجود دبي الحالي في القطاع.
وإدراكاً منها لتلك الإمكانات، ورغبة في جذب المزيد من الخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في البلدان ذات الأغلبية غير المسلمة، بذلت قطر جهداً متضافراً لرفع مكانتها على الصعيد الدولي.
وهناك الآن بنوك قطرية أو شركات تابعة لها، تعمل في مواقع متنوعة، مثل: المملكة المتحدة، لبنان، السودان، عمان، آيرلندا والمغرب، بالإضافة إلى ماليزيا.
وفي غضون ذلك، وقع بنك قطر الدولي الإسلامي (QIB) مذكرة تفاهم مع شركة ساوث ويست سكيوريتيز الصينية، في عام 2015، كمقدمة للوصول إلى السوق الصيني المربح غير المستغل بعد.
وفي أماكن أخرى، حطمت قطر أسوأ آثار الحصار، الذي فرضه عليها جيرانها، من خلال إعادة موازنة اقتصادها، وإعادة تركيز على سياستها الداخلية.
وفي ظل وجود أعلى نصيب من الناتج المحلي الإجمالي للفرد في العالم داخل البلاد، يعتقد المحللون والخبراء الاقتصاديون، أن دولة قطر لديها احتياطيات تزيد على 340 مليار دولار، وهي كافية لتحقيق طموح البلد الاقتصادي حالياً ولعقود مستقبلية خلال المراحل المقبلة كذلك، من أجل حفظ حقوق الأجيال القادمة.
ويضيف موقع إيكونوميك تايمز فإنه من المتوقع أن تزيد الصادرات القطرية بنسبة 40٪ في عام 2019. ومع ذلك، تتطلع البلاد أيضًا إلى تنويع محفظتها المحلية وتحفيز النمو، من خلال وسائل أخرى. تشمل المشاريع الحالية مشروع قطر للسكك الحديدية المتكاملة ومدينة لوسيل الذكية وتوسعة ميناء حمد، فضلاً عن دورها في استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. وفي الوقت نفسه، دفع الحصار أيضاً دولة قطر لأن تصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً، فيما يتعلق بقطاع الأغذية والمشروبات والسلع، والذي كانت حتى وقت قريب تهيمن عليه الواردات.
وفي إطار متصل، قامت الحكومة القطرية برعاية مبادرات لإعادة تشكيل الصناعات الزراعية والصناعات التحويلية ودعم خطط الاكتفاء الذاتي مما أدى إلى وفرة حالية من المنتجات القطرية الصنع على رفوف المتاجر، وأصبح شعار «صنع في قطر» مميزا ومفضلا لدى كل من المواطنين والمقيمين –على حد سواء-.
واستطرد موقع إيكونوميك تايمز الأميركي بتأكيده، على استقرار أوضاع البلاد الاقتصادية الآن بشكل كبير، مشيراً إلى أنه في ضوء الخطوات المتسارعة، التي تتخذها قطر، لتعزيز وجودها في قطاع التمويل الإسلامي يمكن القول، إن البلاد تسير في الطريق الصحيح.
وأضاف الموقع :«بهذه الطريقة وهذا الإصرار، تمكنت البلاد من تحويل حصارها إلى ميزة، وهذا تم ترجمته على أرض الواقع في قوة ميزانيات نهاية العام، والتي كانت بمثابة اختبار لهذه الجهود». وعلى الرغم من كونها الطرف المحاصر، تفوقت الأصول القطرية على منافسيها في عدد من المؤشرات الدولية.
على الجانب الآخر، أدت رفعة سمعة قطر الدولية واقتصادها المتقدم، إلى ترقية موديز للتصنيف السيادي لدولة قطر إلى «مستقر» في يوليو 2018، مما أدى إلى تعزيز الثقة الدولية في البلاد ونمو تدفقات الاستثمار الأجنبي الواردة .
وساعد ذلك أيضاً على تخفيف قوانين الملكية التي تتيح الآن ملكية أجنبية بنسبة 100٪ في معظم القطاعات باستثناء التأمين والخدمات المصرفية. وبالفعل، كانت التدفقات الأجنبية الداخلة إلى الأسهم الوطنية في قطر أعلى بكثير من الدول الأخرى في منطقة مجلس التعاون الخليجي، حيث سجلت 2.47 مليار دولار في قطر، خلال عام 2018، مقارنة بـ 794 مليون دولار فقط للملكة العربية السعودية، و506 ملايين دولار لأبو ظبي على التوالي.
وتحاول قطر الآن الانطلاق في مرحلة ما بعد الحصار، والتي تركز فيها على تدعيم مصادر تمويلها الفريدة، بخلاف جيرانها الآخرين، الذين مازالوا يعتمدون بشكل شبه كامل على عوائد قطاع الهيدروكربونات، وما لديهم من ثروات طبيعية سهلة.
واختتم الموقع قائلاً أنه ومع وجود تحالف محتمل مع تركيا وماليزيا في المستقبل القريب، تتطلع قطر الآن إلى استخدام هذه الأسس الصلبة كنقطة انطلاق لتحقيق النجاح في المستقبل. وذلك لأن تحقيق وعد توسعة القطاع المصرفي الإسلامي، يمكن أن يضمن ازدهار الدول الثلاث في المستقبل المنظور، وكذلك ممارسة بعض الضغط على قوات الحصار، من أجل الدعوة إلى إنهاء الأزمة في نهاية المطاف.